الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

ظلام على الطائرة - قصة رعب



في حين ينساب الهدوء بين السماء, لا يقلق هذا الهدوء سوى هذه الطائرة المدنية العملاقة التي تخطو خطواتها بمنتهى النعومة, والتي تحمل مائة و تسعة على مقاعدها الوثيرة ويتوزعون على الدرجة السياحية و الدرجة السياحية الممتازة و هناك أكثر من ثلاثين و أقل من أربعين في الدرجات الأعلى شأناً ((درجة رجال الأعمال و الدرجة الأولى)). عموماً لا يهمّنا الركّاب الآن و لا حتى يهمّنا طاقم الطائرة الذي يتكون من الطيّار ومساعديه و هذه المضيفة الفرنسية من أصول مصرية.

تتجه الطائرة بإنسيابها إلى مطار ((لشبونة)) من مطار ((القاهرة الدولى)) حيث يستطيع بعض الركّاب الإنتظار قليلاً قبل أن يستقلّوا طائرة أخرى متجهّة إلى مطار ((ليون)). هذه التفاصيل أيضاً غير مفيدة, و ربما ما يفيدنا الآن هو حالة الطائرة في الجوّ بمنحنياته حتى تبدو الأرض تحتها هادئة و كأنها لم تذوق مراراً قطّ.

السماء لم تُظلم بعد, و بالتالي لا يحتاج الركّاب إلى الراحة ولا الإستجمام و بدأ كل من يريد الحديث مع من جانبه في الحديث. عائلات و أطفال و غرباء. المضيفة تمشي في ثقة سائلة عن رغبتهم.. هل يريدون الماء ؟ يريدون دخول دورات المياة ؟ وغيرها من هذه الأمور. البعض كان يجلس بجانب النافذة ويتأمل في السماء الزرقاء التي تقول أن العصر قد مرّ و لكن الغروب لن يأتي قبل مرور بضعة ساعات. على أقل تقدير سيصلون إلى المطار على مشارف المغرب,  لا سيّما أن فرق التوقيت ساعة, وعموماً هذه أيضاً تفاصيل لا تهمّ ولكنّي ذكرتها كي أضعك على متن هذه الطائرة بجانبهم...

هذا الطفل يمرح هنا وهناك وأمه تقول له "أصمت" و المضيفة تنظر له بنظرات باردة راغبة في التخلّص منه برميه من الطائرة, ولسانها يقول للأم.

- نحن في الجوّ يا سيّدتي.

و عموماً لقد أعتادت المضيفة على مثل هؤلاء الأطفال الأشقياء وإعتادت على جملتها هذه.

من النافذة رأى العديد من الركّاب هذا النفق المظلم الحالك يظهر من بعيد, وبسرعة غريبة بدأت الطائرة تدخل هذا النفق ليعمّ الظلام فجأة على الطائرة. بات الضجيج في الطائرة بين الركّاب وصيحات الرعب و صوت الطيّار المفزوع الذي يطلب من الجميع إلتزام الهدوء. أما المضيفة فقد تركت الأطفال و بدأت تشهق عندما رأت الليل قد حلّ فجأة في العالم الخارجي, فإن نظرَت هي إلى الخارج ستجد السماء سوداء و السحاب سوداء و حتى الأرض في الأسفل سوداء يشوبها الحمرة.

كان المنظر مفزعاً للجميع, ويبدو أن الطيّار ومن يساعدوه قد فقدوا السيطرة على مشاعرهم وبات هذا واضحاً في الإرتجاجات العنيفة التي إجتاحت الطائرة, وجاء دور المضيفة التي تحاول السيطرة على فزعها وعلى فزع الجميع من خلال قولها.

- إهدأوا... أرجوكم. الليل قد حلّ فجأة, لا أكثر.

حلّ هكذا في لمح البصر؟ مستحيل!

كانت صيحات الجميع لها من جميع الدرجات تقول هذا, حتى فجأة بدأت الطائرة تشّق طريقها بسلاسة مرّة أخرى وظهر الصوت من الكابينة يقول.

- لا داعي للخوف ولا للقلق. سنصل إلى مطار لشبونة بعد 3 دقائق.

وبدأت الأرض تقترب أسفلهم, ومع الإقتراب يزداد ظلام الأرض وظلام المدينة وهذه الحمرة تتكرر مرّة أخرى. فور أن لمست عجلات الطائرة الأرض حتى تنهدّ الجميع, بالرغم من هذه التساؤلات المفزعة التي تقول "هل هذه المدينة نائمة ؟" و "لماذا المطار هكذا ؟" و "هل إنقطعت الكهرباء؟" و غيرها من التساؤلات الغير منطقية طبعاً. يبدو أن السؤال الوحيد الذي جاء في أذهانهم والذي لا يجرؤ أحد على التكهنّ بالإجابة هو "لماذا هذه الأشياء الحمراء كالحمم التي تظهر على الأرض و جدار المطار ؟". لا يجرؤ أحد لأن بمنتهى البساطة ..فكرة الحمم البركانية هذه تبدو كأفكار الوهم.

أخذت الطائرة تسير على الأرض إلى نقطة الوقوف, و أثناء ذلك, بدأ الضجيج يخرج من الكابينة ويظهر و يصير مزعجاً للركّاب والمضيفة التي أسرعت إلى الداخل بعد ما هدأ الضجيج من الداخل. خرجت لهم بهد ذلك وكان منظرها شنيعاً يوحي بالموت واللعنات, فسقطت ميتة أمامهم.

كان الصراخ بداخل الطائرة أكبر من أي صرخات قد تسمعها يوماً ما, لأنها صرخات صادقة و شتّان بين الصدق و الزيف في أقسى المشاعر الإنسانية.

أثناء هذه الصرخات بدأت الأجسام في الخارج تجري وتنطلق نحو الطائرة, وخلفهم هذه الحمم كأثار خطاهم. في لمح البصر, كانوا الركّاب أمام مجموعة من الوجوه المشوّهة لأشخاص ليسوا من البشر أقرب. كانوا هؤلاء الأشخاص ينظرون إلى زعيم لهم كي يتكلّم و بالفعل تكلّم بصوته الهاديء المزعج المضطرب المريح قائلاً.

- ما الذي آتى بكم إلى هنا ؟

ثم سكت برهة قبل أن يضيف.

- آسف. لن يدخل هنا أي بشر إلا و هو هالك, كما اننا جوعى.

و في اللحظة التالية كان الهجوم مريعاً مثلما حدث مع المضيفة التي تم تمزيقها, ومن قبلها الطيّار و رفاقه في الكابينة الدامية.

.....

عندما فقدت هذه الطائرة من سماء الأرض, بحثتها عند جميع السلطات المصرية والبرتغالية و الفرنسية و لكن لا أثر. الغريب أن خلال شهر تم العثور على هذه الطائرة في بقعة نائية من المحيط الأطلسي داخل مثلث برمودا. يبقى السؤال : كيف وصلت هنا ؟ و الخطّ الجوّي كان من القاهرة إلى لشبونة عبر البحر الأبيض المتوسط ؟

-تمت-

هيثم ممتاز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق