الجمعة، 15 أكتوبر 2021

لقطات من رحلة البوني - قصة رعب



 تاهت منه القافلة التي يتبعها, لكنه يعلم الطريق الذي ساروا فيه من أثار أقدامهم. أثناء سيره بلا ناقة ولا بغلة أخذ يفكر في كيف لم ينتبهوا إلى ذهابه أعلى الربوة ليقضي حاجته؟

أخذ يسير حاملاً على ظهره أحمال طلب العلم حتى لمح هذه الناقة الواقفة من بعيد, فشعر بالتعجّب. إقترب بحذر من هذه الناقة حتى وقف أمامها فلم تجفل, و إقترب منها حتى لامسها فلم تجفل. قال للناقة.
- أنتِ لستِ بناقة..
أخذ يراقبها ترفع وجهها إلى السماء ثم نظرت له بعيون خاوية و لم يندهش عندما ردّت عليه.
- قالوا لي أن أصحبك إلى القوم.
ثم بركت الناقة سامحة له بركوبها. ركبها وعندما وقفت سألها.
- من أي قبيلة أنتِ؟
سمع الناقة وهي تقول بينما تسير به.
- نحن من أمة الأرهاط. نسكن في جوف الأرض.
هزّ رأسه وهو يسأل.
- هل تسمحين بتدوين هذا ؟
سعلت الناقة ولم تردّ فوراً إلا بعد صمت وقالت.
- قم.
إستطاع بصعوبة أن يخرج اللفافة و الدواة و الريشة وكتب هذا. سألها.
- لماذا أنا بالذات ؟
- لا أعلم أيها الرجل. ها هم قومك هناك..
بركت مرّة أخرى و أعاد أدواته إلى الحِمل و نزل وسار حتى وصل إليهم.
...
كان الليل قد حلّ و قاموا بالتخييم. بقى في خيمته يفكر في أمر هذه الأمم. إنها لم تبلغ له شيئاً. أغمض عينيه و أعاد الحروف في خياله حتى سمع من قال له.
- إذهب نحو الجبل.
فتح عينيه ونظر إلى الجبل من بعيد. خرج نحو الرفاق حول النار. دعوه للجلوس معهم, وعندما سار من ورائهم كان قد إختفى تماماً.
كان قد وقف أمام الجبل في نفس اللحظة التي إختفى فيها عن أنظارهم. وقف ينظر إلى الجبل وهمس في سرّه.
- قد وصلت..
سمع من خلفه الصوت الذي يقول.
- هل تريد خبر الناقة ؟
عندما إلتفت وجد رجلاً زنجياً بملابس عربية ينظر له.. خادم الحرف.
- بلى. لكن نسيت لفافتي.
- ها هي في يدك.
وكانت في يده بطريقة غريبة.
- الناقة هي سيدة الأرهاط. يعيشون في جوف الأرض. يمتلك الجنّي الواحد سبعة أعناق وسبعة رؤوس مدببة. مخالبهم مخيفة. أجسامهم عملاقة, فلو بلغ الواحد منهم بهيئته الحقيقية سطح الأرض لبلغ الواحد منهم مرمى البصر.في خبر أعمارهم, يصل الواحد منهم إلى عشرة ألف من السنون.
كان هذا كافياً بالنسبة له في تسجيل أحوالهم. نظر إلى الخادم أمامه وسأله عن لماذا ساعدوه ؟ إبتسم الجنّي وقال.
- هل ترى هذه الحفرة في الجبل ؟ سترى هناك ملكهم وسيبلغك.
تردّد طويلاً في الدخول إلى جوف الأرض من خلال هذه الحفرة, فهو يعلم أنه لن يتحمل رؤية أوصافهم. قرّر التراجع عن الأمر والعودة إلى المخيّم, ولكن هذا الصوت المفزع خرج من باطن الجبل وقال.
- نريد شكرك أيها البشري...
قال في سرّه.
- شكري أنا ؟ أنا من ينبغي شكركم.
...
لا يعلم كيف وقف أمام هذه المخلوقات البشعة بهذه الرؤوس والأعناق اللانهائية التي تنظر له. كان ملكهم يبدو برؤوسه السبعة كالحيّات في الأساطير القديمة. قال له الملك.
- نريد شكرك..
- لقد أنقذتموني من التيه في الصحراء.. لهذا أريد شكركم. أما لماذا تريدون شكري ؟
تعجّب من شجاعته وطلاقة لسانه في الحديث أمامهم.. قال له الملك.
- هل ترى إبنتي ؟
- الناقة ؟
- لا تريد الزواج ولا تريد الحب. رأتك و – يا للمعجزة – رجعت عن كلامها. تريدك. تزوجها وسنعطيك الحكمة التي لن يصل إليها أحد بعدك. سنعطيك لوح الياقوت...
- لوح الياقوت ؟
فغر فاه وهو يرى المكافأة. فقال.
- أيها الملك إنه شرف لي ما تدعوني إليه. أنتم شكرتموني بلوح الياقوت وأنا لا أملك سوى الكلام فأشكركم به.
- إنه كذلك...
لم ينس أن يطلب من الملك أن تتجسد له زوجته بالهيئة التي يريدها, فوافق الملك و وافقت الفتاة.
رأى في يده لوح الياقوت. إنه اللوح الهرمسي الذي فيه أسرار المواد وطرق تحويلها, فيمكنه من اللوح أن يحوّل أي مادة إلى الذهب في لمح البصر.
عندما عاد إلى المخيم, وجد أنه لم يختفي سوى دقيقة أو أكثر. دخل إلى غرفته وأخرج اللفافة وقام بتسجيل كل ما حدث في لفافة ضاعت بلا أثر و لكنها وصلت لي الآن وأنا على قمة ماكوض بشرق تونس. وجدتها لفافة أرسلها لي الجنّ وقالوا...
- هذه اللفافة كتبها رجل حكيم, هذه اللفافة الضائعة كان ينبغي لها أن ترى النور في كتاب رأى النور و أعطانا السطوة و أعطى للحمقى الغوص فيه.
عندما رأيت بصعوبة الخط و إستطعت فهم بعض الرتوش والحروف والأرقام المكتوبة, عرفتُ على الفور بصفتي ممارس لهذا العلم أن ما بين يدي هي المخطوطة الضائعة لـ "أحمد البوني" و التي تثبت زواجه بفتاة من الجنّ و إمتلاكه علوم الخيمياء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق