الأربعاء، 28 يونيو 2023

خروف العيد (قصة عيد الأضحى)

 


بالرغم من طلاقه منها وتزوجت رجلاً آخر، ألا إنها مازالت تتعامل معه وتشتري منه اللحم الذي تحتاجه. أحياناً كانت تأتي له بشخصها لتشتري بعض الأشياء، ولكن في غالب الوقت كان يأتي زوجها الجاف الذي كان يتعامل معه كندّ لسبب ما. هو لا يعلم لماذا يعامله كهذا، فزواجه منها قد ولّى وانتهى عهده وهي بالنسبة له ليست إلا زبونة لا غير.

يقع محلّه في هذا الحيّ الشعبي الذي لا يعرف غيره، فتربيته وتنشئته كانت هنا، وحتى طليقته كانت جارته، وحتى عندما تزوّجا عاشا في شقة أهله الذين ماتوا منذ سنوات قبل الزواج، وحتى بعد الطلاق رفضت الانتقال إلى حيّ آخر وطلبت من زوجها الجديد أن يمكث معها مع أمها في شقّتها. لماذا فعلت هذا؟ لتغيظه برؤيتها على الدوام؟ أو تغيظه برؤية زوجها الجديد؟ هي كذلك.

شعر بالغيظ في بداية الأمر، ولكنه الآن لا يبالي. الدليل؟ إنهم مجرد زبائن لا أكثر سواء هي أو زوجها الذي كان يتردّد كثيراً ويتعامل بجفاف -ذكرتُها- ويشتري ما يريد ويخرج. كانت هي تأتي في بعض الأيام كزبونة وتطلب بعد الأشياء، ثم تخرج مع إيماءة منها تقول "تزوّجت من هو أفضل منك. مُت بغيظك"، وكان هو يبتسم قائلاً في نفسه "تباً لكِ أيتها العاهرة!".

بعد مرور سنوات قليلة، بدأ يسمع من جيران المنطقة الزبائن هذه الأقاويل التي تتحدث عن خلافات وشجار بين طليقته وزوجها، وكان هو يشمت ويبتسم ويضحك. كان يراقبها وهي تمرّ من أمام محلّه لتركب سيارة أوبر ذاهبة وعائدة في حنق وغيظ، وكان هو مازال يبتسم ويشمت، حتى سمع من الزبائن خبر سفر زوج طليقته للعمل كما سمعوا منها. ما المطلوب فعله؟ لا شيء.

قبل عيد الأضحى كان مشغولاً مع بعض الأشخاص الذين يساعدوه في أيام العيد أثناء الذبح. أصبح يستقبل الخراف والعجول والأبقار قبل العيد بيومين على الأكثر. في العادة كان انشغاله الأكبر في الأيام قبل العيد حيث يستقبل طلبات الزبائن في اللحم الجاهز لمن لا يضحّي مثلاً. في صباح يوم عرفات كان يقف ويقطّع بعض اللحم، وسمع ذلك الصوت:

-مرحباً.

كان صوتها. التفت لها وردّ عليها وأضاف.

-اؤمري.

-أنت تعلم بالطبع أن زوجي في سفر، ويربح العديد من الأموال و..

قالتها بأسلوب لم يعجبه، كأنه (تلقيح) بالكلام.

-وأرسل لي ما يكفي كي أشتري خروف وقد اشتريته، ولهذا أريدك أن تذهب معي المنزل لأخذه كي تذبحه غداً.

هزّ رأسه، وطلب من صاحب المحل المجاور مراقبة المحلّ.. مسافة السكّة كما قال، والسكّة ليست بعيدة. أثناء الطريق معها قالت له.

-جاء السفر لزوجي فجأة، حتى أنه غادر فجراً منذ ثلاثة أسابيع. ما أن يمكث هناك في السعودية بعض الوقت، سيرسل لي للحاق به.

لم يردّ عليها سوى بهمهمات والربت على ذقنه من الحين لآخر، وفي داخله جملة لم تخرج قطّ. "ما شأني أنا بشأنك يا حورية؟".

بعد أن صعد معها شقة زوجها وقف، حيث دخلت وقالت له أن يدخل معها الحمّام لأخذ الخروف. دخل وراءها ووقف عند باب الحمام ودخلت هي، وسحبت الخروف من أذنه نحوه حيث كان بلا قرون. قالت له.

-ها هو..

-هل هناك حبل لأسحبه به؟

ابتسمت وخرجت من الحمام وتركته ثم عادت ومعها حبل. قام بربط الخروف وخرج به، وعند باب الشقّة انحنت (حورية) وربتت على رأس الخروف قائلة.

-كن لطيفاً.

ثم جاءها إتصال فهتفت قائلة.

-بالتأكيد زوجي. إنه متشوّق لمعرفة أخبار الخروف. 

ثم دخلت وأغلقت الباب في وجهه هو والخروف. تباً لها ولزوجها ولخروفها. نزل وعاد إلى المحل بصحبه خروف أبيض بلا قرون.

عندما وصل إلى المحلّ شكر جاره ووضع الخروف داخل مكانه المخصّص وكتب رقماً عليه، وهو يكتب نظر عدة مرات إلى أعين الخروف الذي كان صامتاً تماماً؛ فحتى عندما جاء العديد من الخراف والعجول خلال اليوم لذبحها في الصباح كان هذا الخروف صامتاً أمام سيمفونية المأمأة التي حدثت.

مكث ليلتها مع الرفاق الذين جاءوا لمساعدته وعاد إلى منزله لينام ساعات قليلة قبل أن ينزل ليلحق بإستعدادات ذبح الأضاحي بعد الصلاة مباشرة. 

بعد الصلاة وقف الجميع وبدأ أصحاب الخراف والعجول ينتظرون أدوارهم.. شمرّ ذراعيه عند ذبح الخروف الأول وهو يستعد لأيام من العمل الشاق لا تحدث إلا في هذه الأيام المباركة. 

ذبح أول خروف وعند ثاني خروف جاءت (حورية) فقال لها.

-خروفك القادم..

كان خروفها رقم 8؛ فقد كان أحد الرفاق يذبح الخروف السابع،أما هو فقد أوشك على الإنتهاء من تقطيع الخروف الثاني له - الرابع كرقم. فور أن انتهى ذهب نحو الخروف الخاص بـ (حورية) وسحبه من قدمه الأمامية حتى مكان الذبح والدماء المتناثرة من كل مكان. وقف ونظر لها والخروف نائماً تحته.

-أبدأ؟

هزّت رأسها بنعم، فذبحه.

كل الخراف تنتفض وترفس. كل الخراف تخرج لسانها فيتدلى. وقف وهو ينظر إلى الخروف وهو ينازع، ويدفع الدماء مع حركاته السريعة في كل مكان.. 

كل الخراف ترفس ومع هذا تبقى خراف. لهذا كان غريباً بالنسبة له وهو يرى ذلك الخروف المذبوح يتغير لشكل آدمي أسفل قدمه غارقاً في دماءه ورقبته شبه مفصولة.. هذا الشكل الآدمي هو عبارة عن زوج (حورية).

أثناء هذه الاوقات تعالت الصرخات والصدمات من المشهد القاسي الدامي. تخيّل جسد انسان ينتفض مذبوحاً وسط الخراف المذبوحة! 

تراجع للوراء ونظر نحو (حورية) فوجدها تنظر له مبتسمة قبل أن تتصنّع الفزع، بينما سمع الجميع من بعيد صوت سيارات الشرطة التي جاءت لتقبض عليه وتنهي مستقبله بسبب ذبحه لزوج طليقته.

يا لها من قصة مثيرة للجدل على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث تظهر التكهنات الغريبة ولعل أغرب هذه التكهنات على هذه المواقع هي أصدقها. تكهّن يقول أن (حورية) عاهرة بحق؛ سحرت زوجها بعد شجار عنيف ليكون خروفاً يذبحه طليقها الذي أرادت الإنتقام منه منذ زمن.. هذه العاهرة ضربت عصفورين بحجر واحد، حتى وان كانت تصرخ وتلطم خديها في قسم الشرطة قائلة "زوجي.. لقد قتل زوجي".. تكهّن يقول أن الناس -وحتى رفاق العمل- خافوا من صدق ما رأوه، فقالوا: الجزّار سحب الرجل من وسط الناس وذبحه. أسمعك تقول لي "ولكنها ليست الحقيقة. أليس كذلك؟".. بالفعل إنها ليست الحقيقة ولكن من الصعب أن يصدّق الناس ما رأوه، فهل ستصدقهم الشرطة إن قالوا كل ما حدث من سحر؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق